بقلم: جمال سالم
رئيس الهيئة الفلسطينية للثقافة والفنون والتراث
في خضم الحرب الإبادية التي تتعرض لها غزة، وما خلفته من دمار شامل طال كل مقومات الحياة، باتت الظروف المعيشية في غاية القسوة. فقد أصبحت المياه الصالحة للشرب شحيحة، والكهرباء نادرة، والفرص الاقتصادية تكاد تكون معدومة، فيما تقف الإمكانيات المحدودة عاجزة عن تلبية الحد الأدنى من احتياجات السكان.
وسط هذا الواقع الصعب، تتزايد رغبة فئة الشباب في الهجرة، هرباً من المعاناة اليومية، وبحثاً عن بيئة آمنة ومستقرة تضمن لهم مستقبلًا أفضل. ولا يُلام الشاب الذي يحلم بحياة كريمة، وفرصة عمل تحقق له ذاتَه وطموحاته، في وقت تُحاصر فيه غزة من كل جانب، وتُمنع عنها حتى ضروريات الحياة.
غير أن هذه الهجرة، على مشروعيتها من الناحية الفردية، تحمل في طياتها خطراً جماعياً على مستقبل الوطن. فالشباب هم عماد المجتمع، وسواعد البناء، وعقول النهضة. وإذا ما غادروا أرضهم، فمن سيعيد إعمار ما دمرته الحرب؟ ومن سيواصل النضال من أجل الحق والحياة والحرية؟
إن بقاء الشباب في وطنهم، رغم كل التحديات، هو فعل مقاومة في حد ذاته. هو تأكيد على التمسك بالأرض، ورفض للتهجير القسري الذي يسعى الاحتلال إلى فرضه عبر الحصار والتجويع والقصف. فكل شاب يقرر أن يبقى، هو بمثابة لبنة في صرح الصمود، وأمل جديد في طريق الإعمار والاستقرار.
ولا يمكن الاكتفاء بالدعوات الخطابية في هذا السياق، بل لا بد من خطوات عملية وجادة من الجهات المسؤولة ومؤسسات المجتمع المدني، لدعم الشباب وتوفير الحد الأدنى من مقومات البقاء. بدءاً من توفير فرص العمل، وتشجيع المشاريع الصغيرة، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي، وصولاً إلى إشراكهم في عمليات التخطيط والإعمار وصنع القرار.
إن غزة، رغم كل ما تواجهه، قادرة على النهوض من تحت الركام، شرط أن تبقى عقولها وقلوبها وسواعدها على الأرض. فالهجرة ليست قدراً، والبقاء ليس عبئاً، بل هو خيار نابع من الإيمان العميق بحقنا في وطن حر كريم.
وختاماً، فإن الرسالة الأهم التي يجب أن تصل إلى كل شاب فلسطيني اليوم هي: أنت لست وحدك. وطنك يحتاجك، وأمتك تفخر بك، والمستقبل، رغم كل العتمة، يُبنى على أيدي الصامدين أمثالك.
