مقالات

الصراع المصري الإثيوبي وسد النهضة: بين الماضي والمستقبل

بقلم: اللواء مهندس/ إبراهيم جاهين
المحلل السياسي

لا شك أن نهر النيل لم يكن يومًا مجرّد مجرى ماء يمر في الجغرافيا، بل هو شريان حياة، يربط بين الشعوب ويغذي الحضارات منذ آلاف السنين. ولعل مصر أكثر من غيرها تشعر بهذا النهر وكأنه امتداد لنبضها الوطني وذاكرتها التاريخية. ولكن في السنوات الأخيرة، تحوّل النيل إلى مصدر توتر إقليمي حاد، تجلّى في ملف “سد النهضة” الذي تبنيه إثيوبيا على النيل الأزرق.

لطالما استندت مصر إلى اتفاقيات موروثة من القرن العشرين، كتلك التي وُقعت عامي 1929 و1959، والتي منحتها حصة الأسد من مياه النيل، مع حق الاعتراض على أي مشروع يُقام في دول المنبع قد يهدد تدفّق المياه إليها. وبالنسبة لمصر، لم يكن هذا مجرد حق سياسي، بل مسألة حياة أو موت، خاصة أن 97% من مواردها المائية تأتي من النيل.

لكن الزمن تغيّر، وظهرت إثيوبيا، وهي منبع النيل الأزرق، برؤية جديدة ترى في السد طموحًا مشروعًا للتنمية وتوليد الطاقة. وهكذا بدأت القصة.

ومنذ إعلان إثيوبيا عن مشروع “سد النهضة” عام 2011، دخلت مصر في سلسلة طويلة من المفاوضات، التي شهدت جولات مكوكية في الخرطوم وأديس أبابا والقاهرة، ووساطات من الاتحاد الإفريقي وأطراف دولية، لكنها لم تصل إلى اتفاق ملزم حتى اليوم.

موقف مصر كان دائمًا واضحًا: هي لا ترفض السد من حيث المبدأ، لكنها ترفض المساس بحصتها المائية، وتصر على اتفاق قانوني ملزم لإدارة الملء والتشغيل. بينما تصر إثيوبيا على ما تسميه “الحق السيادي” في بناء السد وتشغيله كما تشاء.

وفي هذا المشهد المعقّد، وقفت السودان – الجار المشترك – في منطقة رمادية، مرة تميل لمصر، ومرة تقترب من إثيوبيا، وفقًا لحسابات السياسة والمصلحة.

المستقبل: طريقان لا ثالث لهما
اليوم، يقف الملف عند مفترق طرق: فإما طريق التعاون، وإما التصعيد. الطريق الأول يتطلب إرادة سياسية صادقة من الأطراف الثلاثة، واستعدادًا للتنازلات المتبادلة. وهنا يمكن أن يتحول السد من “أزمة” إلى “فرصة” للتكامل الإقليمي، من خلال ربط الطاقة والمياه والمصالح.

أما الطريق الآخر، فهو طريق الخطر: إذ إن استمرار التعنّت الإثيوبي، أو أي خطوات أحادية إضافية، قد تفتح الباب أمام سيناريوهات غير محمودة العواقب، خصوصًا في منطقة تموج أصلًا بالصراعات.

كلمة أخيرة…أنا كمواطن عربي، وأفريقي في القلب، لا أرى هذا الصراع مجرد خلاف فني أو قانوني، بل هو اختبار حقيقي لقدرة القارة على إدارة مواردها بروح العدالة والتعاون. فالنيل، كما يجري في العروق، يمكن أن يكون حبل وصل لا فُرقة.

المستقبل لا يزال في أيدينا. والتاريخ يكتبه من يملك الحكمة قبل القوة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Sabung Ayam Online Live Draw Sgp Live Casino Online Mahjong Ways Judi Bola Online Sabung Ayam Online Sbobet88 Live Draw Hk Live Casino Online Mahjong Ways Judi Bola Online Sabung Ayam Online Sabung Ayam Online Live Casino Online Live Casino Online Judi Bola Online Mahjong Ways 2 Judi Bola Online Sv388