السيــــــــــــر على الحبل

بقلم/ اللواء/ حسام سلامة
الخبير الإستراتيجي والمحلل السياسي
السير على الحبل لعبة تحتاج إلى قدرة كبيرة على التوازن الحركي والذهني، وأي خلل في هذا التوازن يؤدي إلى السقوط الفوري.
ومصر لاعب متمرس في المشي على الحبال، بين كل الأحداث التي تحدث حولها، وبين علاقاتها مع القوى العالمية والاستراتيجيات السياسية، لأن أي ميل لأي قوة دون الأخرى يؤدي إلى مشاكل سياسية كبيرة. فالأمر يحتاج إلى حسابات دقيقة حتى لا نسقط في الهاوية.
بعد نجاح الكيان الإسرائيلي في تحقيق ما لا يمكن تصوره، فقد استطاع أن يحتل غزة، ويسيطر على الجنوب اللبناني، ويُسقِط النظام السوري ويتحكم في قراره، ثم يضرب إيران ويُنهك قواها، وينجح في إضعاف دورها في الشرق الأوسط، أصبح لا يرى قوة تستطيع مواجهته إلا مصر.
ونظرًا لأنه منهك القوى، ويحارب منذ ما يقرب من عامين متواصلين، فإنه يرى أنه لا يستطيع مواجهة الجيش المصري، وخصوصًا بعد أن استطاعت مصر إعادة بناء جيشها وتسليحه من جديد، وتنوعت مصادر السلاح من كل القوى العالمية، سواء كانت أوروبية، أمريكية، صينية، أو روسية. فبكل المقاييس، الأمر خارج عن إرادته.
ولهذا، فالمطلوب هو إنهاك هذا الجيش، أو الإيقاع به في أية مشاكل أو حروب، سواء كانت على الحدود أو في إثيوبيا فالمهم إنهاكه بأي طريقة.
ولقد نجحت مصر في تجنب هذه الحروب والمشاكل، حتى تلك التي على حدودها. وحتى الآن، نحن نسير على الحبال بالفعل، حتى لا نقع في هذه المشاكل أو الحروب.
ومع كل هذه الأزمات، كانت هناك المشكلة الأكبر والأعقد، ألا وهي المشكلة الاقتصادية المصرية، التي يعاني منها الشعب، والتي يحاول اللوبي الصهيوني دائمًا استغلالها للضغط علينا حتى نرضخ لمطالبه.
ولذا، علينا العمل على تخطيها.
والمشكلة عويصة للغاية، ولا يمكن تخطيها بسهولة أو في مدة قصيرة، وخصوصًا أن الأمر يزداد تعقيدًا مع ضربات الحوثيين عند باب المندب، وتعطيل قناة السويس، التي كانت تمد الاقتصاد المصري بحوالي 12 مليار دولار، وخسرنا منها ما يقرب من 60% من دخل القناة، مما زاد من الاحتقان.
حتى خرجت علينا المؤسسات العالمية بتقارير تقييم للاقتصاد أعادت الأمل في صدورنا، وقد جاء فيها ما يلي:
استطاعت مصر، رغم كل المشاكل، أن تجذب عددًا كبيرًا من المستثمرين في الأموال الساخنة، بحوالي 8.5 مليار دولار، وبفائدة أقل من المتوقع.
مؤشرات عديدة تُقيّم الجنيه بأنه أقوى من قيمته الحالية بحوالي 30%، أي أنه يُقدّر أن يصل إلى حوالي 35 جنيهًا للدولار.
ارتفاع تحويلات العاملين بالخارج إلى 3.8 مليار دولار.
ارتفاع الصادرات غير البترولية إلى 9.89 مليار دولار، وتتكون من الآتي:
• مواد بناء من أسمدة وحديد
• أسمدة مصنّعة بحوالي 3.5 مليار دولار
• صناعات غذائية بحوالي 2.1 مليار دولار
• حاصلات زراعية بحوالي 2.9 مليار دولار
• ملابس جاهزة مصنّعة بحوالي 1.3 مليار دولار
وهذا كله يفسّر التحسن في عجز الميزان التجاري، فقد كان 17.4 مليار دولار، وأصبح الآن حوالي 14.3 مليار دولار.
هذا بالإضافة إلى أن السياحة هذا العام سجلت أعلى معدلاتها، بحوالي 8 مليارات دولار حتى الآن، أي بزيادة حوالي 24% في عدد السائحين.
ويعكس هذا شعور المستثمرين بالأمان في الاستثمار داخل مصر، رغم ما نواجهه من مشكلات في المنطقة وفي الداخل.
ورغم كل هذا التحسن، إلا أن مصر ما زالت تعاني من فجوة الدين الخارجي، الذي يبلغ حوالي 156 مليار دولار، لكنه لا يمثل مشكلة كبيرة إذا استمرت معدلات الإنتاج في الارتفاع، واستمر العمل على تقليل الفجوة في ميزان المدفوعات.
والله المعين، بإذن الله.