أفكار حول تأثير الحرب الإيرانية – الإسرائيلية على مستقبل الشرق الأوسط

بقلم/ اللواء/ حسام سلامة
الخبير الإستراتيجي والمحلل السياسي
لا تزال منطقة الشرق الأوسط تسير على صفيح ساخن، والنار تسري تحت الرماد، حتى بعد التدخل الأمريكي واستهداف المصالح الإيرانية المرتبطة بالبرنامج النووي، فضلًا عن ضغوط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف القتال بين إيران وإسرائيل، وسعيه المُعلن لإيقاف الحرب في قطاع غزة تمهيدًا لإحلال السلام وبدء ما يُسمى بـ”الشرق الأوسط الجديد”.
لكن السؤال المطروح: هل يريد ترامب – فعلاً تحقيق السلام في المنطقة؟ وهل ستستجيب إسرائيل لهذه الضغوط وتوقف عدوانها على القطاع؟ وما طبيعة “الشرق الأوسط الجديد” الذي تسعى أمريكا وإسرائيل لتشكيله؟
أسئلة كثيرة تدور في الأذهان، أحببت مشاركتكم رؤيتي المتواضعة بشأنها.
لماذا الآن؟
يسعى الرئيس الأمريكي – في سياق سياسي واقتصادي معقد – إلى وقف الصراعات في المنطقة بعد نحو 20 شهرًا من اندلاعها في غزة، ثم امتدادها إلى لبنان وسوريا واليمن، وصولًا إلى مواجهة مباشرة مع إيران.
والسبب الحقيقي هو أن الولايات المتحدة تعاني من أزمات اقتصادية ضخمة، وتعد الدولة الأكثر اقتراضًا في العالم، ما ينذر بعواقب وخيمة، قد تصل – بحسب بعض التحليلات – إلى تهديد وحدة الاتحاد الفيدرالي الأمريكي نفسه، كما حدث مع الاتحاد السوفيتي سابقًا.
ويرجع ذلك إلى تورط واشنطن في عدد كبير من الصراعات الدولية، وانتشار قواتها المسلحة في مناطق متفرقة، وهو ما يرفع تكاليف الإنفاق العسكري بشكل غير مسبوق.
لذا تفكر أمريكا – منذ سنوات – في إعادة تمركز قواتها وانسحابها من بعض المناطق، كما فعلت في أفغانستان، وكانت منطقة الشرق الأوسط أحد أهم المرشحين للانسحاب منها، لكن المشكلة أن المنطقة مليئة بالتعقيدات والمصالح المتشابكة.
إسرائيل.. الوريث الاستراتيجي لأمريكا؟
رأت الإدارة الأمريكية أن عليها إيجاد بديل يحل محلها في إدارة شؤون المنطقة. ولم تجد سوى قوتين رئيسيتين هما: مصر وإسرائيل. وبالطبع، وقع الاختيار – لأسباب استراتيجية وأيديولوجية – على إسرائيل.
لكن تسليم الراية إلى إسرائيل لا يمكن أن يتم دون تمهيد سياسي وعسكري يُقنع المنطقة بقبول هذا الواقع، فكان الحل في إعادة ترتيب القوى عبر افتعال نزاعات داخلية وإقليمية، ودعم بعض الحركات لزعزعة الاستقرار في دول مثل سوريا، العراق، اليمن، ولبنان، مع محاولة إضعاف إيران كقوة إقليمية.
نجحت الخطة في عدد من الدول، باستثناء مصر، التي تمكنت من تجاوز أزمتها مع جماعة الإخوان، واستعادت مؤسساتها وأمنها واستقرارها.
لكن بقيت إيران، وهي تمثل “العقدة الصعبة” أمام أمريكا وإسرائيل، لما تمتلكه من أذرع قوية ونفوذ عسكري وسياسي ممتد في أكثر من دولة. ولذلك، تسعى إسرائيل إلى ضرب الأذرع الإيرانية عسكريًا أولًا، ثم فرض شروطها لاحقًا، لتصبح القوة الإقليمية الأولى، وتلعب دور “شرطي المنطقة” بالنيابة عن أمريكا.
الشرق الأوسط الجديد.. كيف يبدو؟
المشهد المتوقع في هذا “الشرق الأوسط الجديد” وفق هذه الرؤية يتضمن:
توسيع دائرة “الاتفاقيات الإبراهيمية” مع دول عربية وإسلامية.
إنشاء تحالفات اقتصادية تعزز التعاون مع إسرائيل.
تعهد أمريكي بضمان تفوق إسرائيل العسكري وتعزيز مكانتها السياسية.
بسط السيطرة على الموارد الحيوية مثل النفط والغاز لصالح واشنطن.
محاصرة النفوذ الصيني والروسي في المنطقة للحفاظ على الهيمنة الغربية.
وماذا عن مصر؟
يبقى السؤال الأهم: ما موقف مصر من هذا المشهد؟
أظن أن الرأي العام المصري لن يقبل إطلاقًا بأي ترتيبات تُكرّس لتفوق إسرائيلي أو تهمّش الدور المصري في المنطقة.
كما أن القيادة السياسية في مصر تدرك جيدًا هذه التحولات وتسعى لمواجهتها بهدوء، لكن – في رأيي – لابد من تحولات داخلية كبيرة ومحورية، ترتكز على:
التصنيع والتقدم العلمي والتكنولوجي.
الاعتماد على العمل والإنتاج بدلًا من الاستهلاك.
بناء اقتصاد وطني قوي قادر على الصمود أمام المتغيرات الإقليمية والدولية.
في الختام، هذه كانت مجموعة من الأفكار الشخصية التي وددت مشاركتها معكم.
والله خير حافظ وهو أرحم الراحمين.